السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً قرأت مقالة انضوت مضامينها تحت عنوان "جهل المتعلّم". وقد أفادتني تلك المقالة في معرفة أن الجهل يرافق المتعلِّم الذي لم يجعل من علمه ثقافة تتمثل في رقي حضاري وإنساني، وأبقى علمه هذا متحجراً في قوقعة الأنا المتملِّكة، غير المسؤولة، التي تسعى إلى مصلحتها الذاتية، وتقوِّم كل شيء آخر بمقياس محدوديّتها التي تركِّزها في مهنتها. في تلك المقالة، لم أجد ما يشير إلى جهل المثقف، أو إلى جهل المتعلِّم المثقف. وقد دفعتني قراءة تلك المقالة إلى استهلال البحث عن الفرق أو الاختلاف القائم بين الإنسان المتعلِّم لمجرد التعلُّم وبروز الأنا المغلقة والإنسان المتعلِّم والمثقف لمجرد المعرفة والوعي والحكمة.
أدركت أن الفرق أو الاختلاف بين المتعلِّم-الجاهل والمتعلِّم-المثقف، الواعي، الباحث عن حقيقة نفسه ومعنى وجوده، قائم في الاختلاف الناشئ بين الإنسان الناجح والإنسان العظيم. علمت أن "السبب" الذي يدفع الإنسان إلى التعلُّم يؤدي إلى النجاح، وأن "الغاية" التي تدعو الإنسان إلى التعلُّم تؤدي به إلى العظمة الكامنة في المعرفة والوعي.
استطعت أن أميز بين الإنسان المتعلِّم وبين الإنسان المثقف في الإجابة اللازمة عن سؤال هام هو: لماذا نتعلَّم؟
تشير الإجابة إلى التمييز الدقيق بين السببية والغائية. فإذا كان النجاح ناتجاً عن السبب الدافع إلى التعلُّم، كان الإنسان متعلِّماً يحصر علمه في نطاق مصلحته الخاصة دون أن يهتم بمصلحة الآخرين، أو بنفعهم وخيرهم، ودون أن ينظر إلى وضعهم الاجتماعي أو يقدِّر إنسانيتهم، أو معرفتهم أو وجودهم. هذا، لأن جميع الناس، وجميع الأشياء، في رأيه، قد وُجِدوا ليدوروا في فلك علمه ونجاحه… إنه إنسان يأخذ أكثر مما يعطي. وإذا كان الوعي أو الحكمة أو العظمة تمثِّل الغاية التي يهدف إليها الإنسان من التعلُّم، بحيث إنه لا يجعل من علمه سبباً للنجاح بل دعوة لتحقيق غاية سامية، وخدمة الإنسانية، وشعور حقيقي بالوجود، أو بناء شخصية متماسكة ومتكاملة، ندرك أنه كائن عارف يمد أبعاده إلى جميع الناس، ويحترم مشاعرهم، ويعتبر أوضاعهم المهنية والاجتماعية، ويتعمق في مضمون المعارف كلها، عندئذ ندرك أنه كائن متعلِّم ومثقف وحضاري… إنه إنسان يعطي أكثر مما يأخذ.
لم أجد في تلك المقالة ما يشير إلى "جهل المثقف" أو إلى جهل المثقف في عمله. هذا، لأن الإنسان العظيم، الواعي، يجعل من علمه ثقافة تستند إليها الحضارة. إنه، بالإضافة إلى علمه الخاص، المتحوِّل إلى مهنة، يهتم بالعلوم الأخرى، وبالاتجاهات الفكرية الأخرى، وبالمفاهيم الإنسانية الأخرى، ويعتبرها ويسعى إلى فهمها، ولو على نحو نسبي، ويمتد بثقافة علمه ومهنته إلى ثقافة علوم الآخرين ومهنهم. وعلى غير ذلك، وجدت في تلك المقالة ما يشير إلى جهل المتعلِّم الذي يقلِّص نفسه إلى محدوديّة علمه الخاص. ويكمن جهل هذا المتعلم في ادعائه بعلمه الذي حرفه إلى مهنة، وفي افتخاره بجهل معلومات ومعارف أخرى لا ترقى إلى مستواه العلمي، ويزعم أنها لا تمتّ إلى علمه أو مهنته بصلة. فقد يكون طبيباً، أو غير ذلك، يجهل الكثير عن الموسيقى الراقية أو الفن الرائع، أو يأبى أن يتخذ أصدقاء له إلا ممن كانوا من نوعه أو مستوى علمه أو نوعيته. ويُحتمَل أن لا يعبأ المتعلِّم-الجاهل بأمور مجتمعه، وذلك لأنه يلوِّن جميع الأشياء بلون علمه ومهنته؛ ويُحتمَل ألا يعرف سوى القليل عن محيطه وبيئته وجيرانه الذين يشاركونه السكن في البناء الذي يقطنه؛ ويُحتمَل أن يجهل، أو لا يعرف سوى القليل، عن لوحة فنية دفع ثمنها غالياً وعلّقها في صدر منزله؛ ويُحتمَل أن يملأ مكتبة منزله بالكتب الفخمة والموسوعات المتقنة، بينما يجهل مضمونها، أو يعلم القليل القليل عن بعض المواضيع. هذا، لأنه لم يطّلع على أية معلومة فيها، ولم يسع إلى العمق في المعلومة، فظل علمه بها على السطح… إنه جاهل بما يضيفه إلى ذاته… يفتخر بما يملك، ويجهل ما يمتلك… إنه جاهل-متعلِّم، وليس متعلِّماً-مثقفاً.
في دراسة وضعها برنارد شو لتكون دليلاً اجتماعياً وفكرياً وإنسانياً للمرأة الذكية، أدركت أن برنارد شو سعى إلى أن يجعل من المرأة الذكية امرأة مثقفة. فهو يرى أن المرأة الذكية هي تلك التي تهتم، بالإضافة إلى عالمها المنزلي وعملها المهني وأنوثتها الجميلة، بالأمور الاجتماعية، وتتفهم العوامل التي تؤدي إلى تحسين المجتمع وتطويره. إنها امرأة مشاركة بقضايا مجتمعها وحقيقة إنسانيتها. ومثل هذه المرأة الذكية-المثقفة تعلم أنه لا يليق بها أن تجهل ما يجري في المجتمع وفي العالم من أحداث اقتصادية واجتماعية وفكرية وفنية وإنسانية. هذه المرأة الذكية المثقفة تتجاوز معرفتها بجميع أو بمعظم أنواع العطور وأدوات الزينة، إلى معرفة القضايا الإنسانية.
هكذا، نرى كيف يكون الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، مثقفاً وحضارياً يتميز بموقف مشارك، كلِّي وشامل، بالأمور والقضايا التي تحيط به، وبسلوك إنساني أصيل إزاء جميع الناس، باختلاف أنواعهم وأعمالهم، وبتفهُّم واعٍ للمعنى المتضمن والمغزى الكامن في ثقافة علمه وعمله، وبإدراك يشير إلى تجرد علمه من ذاته الفردية فقط، وانتماء ثقافة علمه إلى الجماعة الإنسانية المتمثلة بالمجتمع وبالبشرية على حد سواء
م / ن
أعجبني ذالك الموضوع القيم فآثرت أن أنقله لكم
أتمني أن ينال إعجابكم
تحياتي
مدينه الحب
» إلي متي سيظلوا علي عنادهم ؟
» حوار بين النبي واعرابيا
» كوادر وطنية لإدارة المحطّات النووية بأبوظبي
» سيارات موديل 2010
» بالصور تحويل سيارة مرسيدس من خـرده إلى سيارة حديثه
» ღ,¸¸,ღ أنــــا وأنتــ .. جأوبنى من أنتـ ...وأسئلنى من أكــون؟ღ,¸¸,ღ
» اصعب 12 دقيقة في حياتك
» آن الرحيل يا سادة